كيفية التعامل مع الأصدقاء الذين ما زالوا مدمنين
محتوى المقال
كيفية التعامل مع الأصدقاء الذين ما زالوا مدمنين
دليل عملي لتقديم الدعم الفعال مع الحفاظ على سلامتك النفسية
أن يكون لديك صديق يعاني من الإدمان هو أحد أصعب التحديات التي قد تواجهها في علاقاتك. الرغبة في المساعدة قد تصطدم بمشاعر الإحباط والغضب والعجز. هذا المقال ليس فقط دليلاً لمساعدة صديقك، بل هو خارطة طريق لك أنت، لتتمكن من تقديم الدعم بطريقة صحيحة وفعالة دون أن تفقد نفسك في هذه العملية. سنتناول خطوات عملية ومباشرة تمكنك من التعامل مع هذا الموقف المعقد بحكمة، مع التركيز على أهمية وضع حدود صحية لحماية سلامتك النفسية أولاً وقبل كل شيء.
فهم طبيعة الإدمان قبل تقديم المساعدة
قبل الشروع في أي محاولة للمساعدة، من الضروري أن تفهم أن الإدمان ليس مجرد عادة سيئة أو ضعف في الإرادة. إنه مرض معقد يؤثر على كيمياء الدماغ والسلوك. هذا الفهم هو حجر الزاوية الذي سيبنى عليه تعاملك بالكامل. عندما تدرك أن صديقك يعاني من حالة طبية، يصبح من الأسهل التعامل معه بتعاطف وصبر بدلاً من الحكم عليه أو لومه. المعرفة تمنحك القوة لتكون داعماً حقيقياً، وليس مجرد ناقد. إنها الخطوة الأولى نحو تقديم مساعدة فعالة ومستدامة.
الإدمان مرض وليس خيارًا أخلاقيًا
من الأخطاء الشائعة النظر إلى الإدمان على أنه فشل أخلاقي. الحقيقة العلمية تؤكد أن الإدمان يغير وظائف الدماغ، خاصة في المناطق المسؤولة عن اتخاذ القرارات والمكافأة والتحكم في الانفعالات. يصبح الشخص المدمن غير قادر على التوقف عن سلوك معين رغم إدراكه للعواقب السلبية. استيعاب هذه الحقيقة يغير منظورك من الغضب إلى التعاطف، مما يجعلك حليفاً له في معركته ضد المرض وليس خصماً له.
تأثير الإدمان على سلوك الصديق
قد تلاحظ تغيرات جذرية في سلوك صديقك مثل الكذب، التلاعب، إهمال المسؤوليات، والتقلبات المزاجية الحادة. هذه السلوكيات ليست انعكاساً لشخصيته الحقيقية، بل هي أعراض للمرض الذي يسيطر عليه. الإدمان يدفعه إلى فعل أشياء لم يكن ليفعلها في حالته الطبيعية. معرفة ذلك يساعدك على عدم أخذ هذه التصرفات على محمل شخصي، والتركيز على المشكلة الأساسية وهي المرض نفسه، وليس على الأعراض الظاهرة التي قد تكون مؤذية ومحبطة.
خطوات عملية لبدء حوار بناء
إن مفتاح المساعدة يكمن في التواصل. الطريقة التي تبدأ بها الحوار يمكن أن تحدد مسار العلاقة بالكامل. يجب أن يكون الهدف هو فتح باب للنقاش الصريح المبني على الثقة، وليس المواجهة التي قد تدفعه إلى الانغلاق على نفسه والدفاع عن سلوكه. التخطيط الجيد لهذه المحادثة يزيد من فرص نجاحها بشكل كبير. عليك أن تكون مستعداً نفسياً وعاطفياً، وأن تختار كلماتك بعناية فائقة لتعبر عن قلقك وحبك دون أن تبدو مهاجماً أو مسيطراً.
اختيار الوقت والمكان المناسبين
تجنب تماماً مناقشة الأمر عندما يكون صديقك تحت تأثير المادة المخدرة أو في حالة انفعالية. اختر وقتاً يكون فيه هادئاً ومتعقلاً. اختر مكاناً خاصاً ومريحاً يمنحكما الخصوصية الكاملة، بعيداً عن المقاطعات. الهدف هو خلق بيئة آمنة يشعر فيها بالراحة للتحدث بصدق. التوقيت والمكان المناسبان يظهران احترامك له ويزيدان من احتمالية أن يستمع إلى ما ستقوله بجدية.
استخدام عبارات “أنا” للتعبير عن مشاعرك
بدلاً من استخدام عبارات اتهامية مثل “أنت تفعل كذا” أو “مشكلتك هي”، استخدم صيغة “أنا”. على سبيل المثال، قل “أنا قلق عليك عندما أراك بهذا الحال” أو “أنا أشعر بالحزن لأنني أفتقد الأوقات التي كنا نقضيها معاً”. هذه الطريقة تركز على تأثير سلوكه عليك وعلى مشاعرك، مما يقلل من شعوره بالهجوم ويزيد من احتمالية تعاطفه وتفهمه لوجهة نظرك. إنها طريقة فعالة للتعبير عن القلق دون إثارة موقف دفاعي.
الاستماع الفعال دون إطلاق أحكام
عندما يبدأ صديقك في الحديث، مهمتك الأولى هي الاستماع. استمع لتفهم، وليس لترد. تجنب مقاطعته أو تقديم حلول فورية أو إطلاق أحكام. أظهر له أنك تسمعه من خلال إيماءات بسيطة أو إعادة صياغة ما قاله للتأكد من فهمك. دعه يعبر عن مشاعره ومخاوفه دون خوف. هذا يبني الثقة ويجعله يشعر بأنه مسموع ومفهوم، وهو أمر حيوي لكي يتقبل فكرة طلب المساعدة لاحقاً.
وضع حدود صحية لحماية نفسك
تقديم الدعم لا يعني التضحية بسلامتك النفسية أو المالية أو العاطفية. وضع حدود واضحة وصارمة هو أهم خطوة يمكنك اتخاذها لحماية نفسك، وهي في الوقت نفسه تساعد صديقك على المدى الطويل. الحدود الصحية تمنعك من الانزلاق إلى دور “الممكّن” الذي يساهم، دون قصد، في استمرار سلوك الإدمان. هذه الحدود ليست فعلاً أنانياً، بل هي ضرورة للحفاظ على علاقة صحية ومستدامة ولكي تتمكن من الاستمرار في تقديم الدعم الفعال.
تحديد السلوكيات غير المقبولة
اجلس مع نفسك وحدد بوضوح ما هي السلوكيات التي لن تتقبلها بعد الآن. قد يشمل ذلك عدم إقراضه المال، عدم الكذب لتغطية أخطائه، أو عدم السماح له بالتواجد في منزلك إذا كان تحت تأثير المخدر. كن محدداً وواضحاً في هذه القائمة. يجب أن تكون هذه الحدود غير قابلة للتفاوض، لأن التهاون فيها يرسل رسالة خاطئة مفادها أنك لا تأخذ الأمر بجدية.
تعلم قول “لا” بحزم ولطف
قول “لا” قد يكون صعباً، خاصة لشخص تهتم لأمره. ولكن في هذا السياق، كلمة “لا” هي أداة لحماية نفسك ومساعدة صديقك على مواجهة عواقب أفعاله. يمكنك أن تقول “لا، لن أعطيك مالاً، ولكني مستعد لمساعدتك في إيجاد مركز علاجي” أو “أنا أحبك، ولكني لا أستطيع أن أراك وأنت في هذه الحالة”. كن حازماً في قرارك ولكن حافظ على نبرة لطيفة وداعمة. هذا يوضح أنك ترفض السلوك، وليس الشخص نفسه.
عدم تمكين السلوك الإدماني (Enabling)
التمكين هو أي فعل تقوم به يحمي صديقك من العواقب الطبيعية لإدمانه. يشمل ذلك تقديم الأعذار له، أو دفع ديونه، أو إنقاذه من المشاكل التي يقع فيها. على الرغم من أن نيتك قد تكون المساعدة، إلا أن التمكين يطيل أمد الإدمان ويمنعه من الوصول إلى النقطة التي يدرك فيها حاجته الحقيقية للتغيير. التوقف عن التمكين قد يبدو قاسياً في البداية، ولكنه من أكثر أشكال الحب فعالية في هذه الحالة.