كيفية عمل معالجات الذكاء الاصطناعي
محتوى المقال
كيفية عمل معالجات الذكاء الاصطناعي
فهم البنية والوظائف الأساسية لوحدات المعالجة العصبية (NPUs)
أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في العديد من جوانب حياتنا، من تحليل البيانات الضخمة إلى تشغيل المساعدات الصوتية في أجهزتنا اليومية. خلف هذه الإنجازات تكمن معالجات متخصصة مصممة خصيصًا للتعامل مع متطلبات خوارزميات التعلم الآلي المعقدة. هذه المعالجات، المعروفة غالبًا بوحدات المعالجة العصبية (NPUs)، تختلف بشكل كبير عن وحدات المعالجة المركزية التقليدية (CPUs) في بنيتها وطريقة عملها. فهم آلياتها الأساسية ضروري لكل من المطورين والمستخدمين على حد سواء لاستغلال إمكاناتها الهائلة وتحسين أداء أنظمة الذكاء الاصطناعي.
الأسس المعمارية لمعالجات الذكاء الاصطناعي
البنية المتوازية ومصفوفات المعالجة
تعتمد معالجات الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على مبدأ المعالجة المتوازية المكثفة. على عكس وحدات المعالجة المركزية التي صُممت لمعالجة مجموعة واسعة من المهام التسلسلية، تتفوق معالجات الذكاء الاصطناعي في تنفيذ العديد من العمليات الحسابية المتشابهة في وقت واحد. هذا النمط من المعالجة ضروري لخوارزميات التعلم الآلي، خاصة الشبكات العصبية، التي تتطلب ضرب مصفوفات هائلة وجمعها. تصميمها يتضمن آلاف الوحدات الحسابية الصغيرة التي تعمل في تناغم تام.
تستخدم هذه المعالجات مصفوفات من وحدات المعالجة المتخصصة. كل وحدة قادرة على إجراء عمليات بسيطة مثل الضرب والجمع بسرعة فائقة. عندما يتم تغذية نموذج ذكاء اصطناعي بالبيانات، يتم تقسيم المهام إلى أجزاء صغيرة يمكن توزيعها على هذه الوحدات المتوازية. هذا يسمح بإجراء كمية هائلة من العمليات الحسابية في جزء صغير من الوقت مقارنة بما قد تستغرقه وحدة معالجة مركزية تقليدية لتنفيذ نفس المهمة. هذه البنية هي العمود الفقري لكفاءة معالجات الذكاء الاصطناعي.
الذاكرة وعرض النطاق الترددي العالي
تعد الذاكرة وعرض النطاق الترددي للبيانات مكونين حاسمين في أداء معالجات الذكاء الاصطناعي. تتطلب نماذج التعلم الآلي الحديثة كميات هائلة من البيانات، سواء كانت مدخلات للتدريب أو معاملات للنموذج نفسه. لتحقيق الأداء الأمثل، يجب أن تكون هذه البيانات متاحة للمعالج بأسرع وقت ممكن. لهذا السبب، غالبًا ما تدمج معالجات الذكاء الاصطناعي ذاكرة ذات نطاق ترددي عالٍ (HBM) أو تكون قريبة جدًا من وحدات الذاكرة.
تسمح الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي بنقل كميات ضخمة من البيانات إلى المعالج ومنه بسرعة استثنائية. يقلل هذا من “عنق الزجاجة” الذي قد يحدث إذا كان المعالج ينتظر البيانات من الذاكرة الرئيسية الأبطأ. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تحتوي هذه المعالجات على مستويات متعددة من الذاكرة المؤقتة (Cache) لضمان أن البيانات الأكثر استخدامًا تكون في متناول اليد على الفور. هذا التصميم الذكي للذاكرة يضمن تدفقًا مستمرًا للبيانات، وهو أمر حيوي لعمليات التدريب والاستنتاج المكثفة في الذكاء الاصطناعي.
طرق عمل معالجات الذكاء الاصطناعي المختلفة
وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) كمعالجات للذكاء الاصطناعي
تُعد وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) من أوائل المعالجات التي تبنتها مجالات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. على الرغم من أنها صُممت في الأصل لمعالجة الرسومات والألعاب، إلا أن بنيتها المتوازية جعلتها مثالية لتسريع عمليات ضرب المصفوفات الكبيرة المطلوبة في تدريب الشبكات العصبية. تحتوي وحدات معالجة الرسوميات على آلاف النوى الصغيرة التي يمكنها تنفيذ العديد من العمليات الحسابية البسيطة بشكل متزامن، وهو ما يتوافق تمامًا مع طبيعة مهام التعلم العميق. بدأت الشركات في تكييف هذه الوحدات لمهام غير رسومية.
لتسخير قوة وحدات معالجة الرسوميات للذكاء الاصطناعي، طُوِّرت أطر عمل برمجية مثل TensorFlow وPyTorch التي يمكنها الاستفادة من هذه البنية المتوازية. تتضمن طرق عملها تقسيم مهام التدريب الكبيرة إلى مهام فرعية أصغر يمكن توزيعها عبر النوى المتعددة لوحدة معالجة الرسوميات. هذا يسرع بشكل كبير من عملية تدريب النماذج، مما يقلل من وقت الحصول على النتائج من أسابيع أو أيام إلى ساعات. تُستخدم وحدات معالجة الرسوميات على نطاق واسع في مراكز البيانات لأغراض تدريب النماذج المعقدة.
وحدات المعالجة العصبية (NPUs) المتخصصة
تُمثل وحدات المعالجة العصبية (NPUs) الجيل التالي من معالجات الذكاء الاصطناعي، وهي مصممة خصيصًا من الألف إلى الياء لتنفيذ مهام التعلم الآلي بكفاءة قصوى. على عكس وحدات معالجة الرسوميات التي تكيفت من غرض آخر، تُحسَّن وحدات المعالجة العصبية لتوفير طاقة حسابية هائلة مع استهلاك طاقة أقل بكثير. هذا يجعلها مثالية للأجهزة الطرفية مثل الهواتف الذكية والكاميرات الذكية وأنظمة السيارات ذاتية القيادة، حيث تكون كفاءة الطاقة أمرًا بالغ الأهمية. تصميمها يركز على عمليات الاستنتاج (Inference) بشكل خاص.
تعمل وحدات المعالجة العصبية عن طريق دمج مسرعات الأجهزة المخصصة لعمليات محددة في الشبكات العصبية، مثل ضرب المصفوفات وعمليات الالتفاف (Convolution). تتضمن بعض وحدات المعالجة العصبية وحدات منطق حسابي (ALUs) مصممة لتكون فعالة بشكل خاص في الحسابات ذات الدقة المنخفضة، وهي كافية للعديد من نماذج الذكاء الاصطناعي وتقلل من استهلاك الطاقة. تقدم هذه المعالجات غالبًا مكتبات برمجية وأطر عمل خاصة بها لمساعدة المطورين على استغلال قدراتها الكاملة. القدرة على إجراء الحسابات بسرعة وكفاءة هي جوهر تصميمها.
وحدات المعالجة المخصصة (ASICs)
تُعد وحدات المعالجة المخصصة (ASICs) الطريقة الأكثر تخصصًا وفعالية لتشغيل مهام الذكاء الاصطناعي. على عكس وحدات معالجة الرسوميات ووحدات المعالجة العصبية ذات الأغراض العامة إلى حد ما، تُصمم وحدات المعالجة المخصصة لمهمة محددة للغاية أو نموذج ذكاء اصطناعي واحد. هذا التخصص يسمح بمستوى غير مسبوق من التحسين في الأداء وكفاءة الطاقة. مثال على ذلك هي وحدات معالجة الموتر (TPUs) من جوجل، التي صُممت خصيصًا لتسريع أطر عمل التعلم الآلي الخاصة بجوجل مثل TensorFlow.
طريقة عمل وحدات المعالجة المخصصة تتمثل في دمج المنطق الحسابي المطلوب مباشرة في الدائرة الإلكترونية، دون الحاجة إلى مرونة البرمجة العامة. هذا يقلل من النفقات العامة ويسمح بتنفيذ العمليات بشكل أسرع وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة. على الرغم من أن تكلفة تطويرها الأولية أعلى وقد تكون أقل مرونة في التكيف مع مهام الذكاء الاصطناعي الجديدة، إلا أنها توفر أفضل أداء وكفاءة لمراكز البيانات الكبيرة التي تدير نفس نماذج الذكاء الاصطناعي باستمرار. يمكنها معالجة أعباء العمل المتكررة بكفاءة لا مثيل لها.
حلول وتطبيقات عملية لمعالجات الذكاء الاصطناعي
تحسين أداء التعلم الآلي على الأجهزة الطرفية
أحد أبرز الحلول التي تقدمها معالجات الذكاء الاصطناعي هو تمكين التعلم الآلي على الأجهزة الطرفية (Edge AI). تقليديًا، كانت نماذج الذكاء الاصطناعي تُعالج في السحابة بسبب متطلباتها الحسابية العالية. ولكن مع وحدات المعالجة العصبية المدمجة في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، أصبح من الممكن الآن إجراء مهام مثل التعرف على الوجوه، ومعالجة اللغة الطبيعية، وتحليل الصور مباشرة على الجهاز. هذا يقلل من زمن الاستجابة، ويحسن الخصوصية، ويقلل من الاعتماد على الاتصال بالإنترنت.
على سبيل المثال، يمكن لوحدات المعالجة العصبية في الهاتف الذكي التعرف على الكائنات في الصور في الوقت الفعلي أو تحسين جودة الصور دون إرسال البيانات إلى خوادم بعيدة. هذا يوفر تجربة مستخدم أسرع وأكثر أمانًا. لتطبيق ذلك، يحتاج المطورون إلى نماذج ذكاء اصطناعي محسّنة خصيصًا للاستنتاج على الأجهزة الطرفية، مع استخدام أدوات مثل TensorFlow Lite أو ONNX Runtime. هذه الأدوات تساعد في ضغط النماذج وجعلها متوافقة مع قدرات المعالج الطرفي، مما يضمن أقصى قدر من الكفاءة والأداء.
تسريع التدريب والاستنتاج في مراكز البيانات
في مراكز البيانات، تُعد معالجات الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية لتسريع كل من تدريب نماذج التعلم العميق الكبيرة وعمليات الاستنتاج على نطاق واسع. تستخدم الشركات الكبيرة آلاف وحدات معالجة الرسوميات أو وحدات معالجة الموتر (TPUs) في مجموعات (Clusters) لتدريب نماذج لغوية ضخمة أو أنظمة رؤية حاسوبية معقدة. هذه المعالجات تقلل بشكل كبير من الوقت اللازم لإكمال دورات التدريب، مما يسمح للمطورين بتجربة المزيد من النماذج والتكرارات في وقت أقصر.
الحل يكمن في البنية التحتية الموزعة التي تستفيد من الاتصال عالي السرعة بين هذه المعالجات. فعلى سبيل المثال، تستخدم أنظمة NVIDIA NVLink أو InfiniBand لربط وحدات معالجة الرسوميات معًا، مما يتيح تبادل البيانات بسرعة هائلة وتنسيق العمليات الحسابية. هذا يسمح بتدريب النماذج التي قد تستغرق أشهر باستخدام وحدات المعالجة المركزية، في غضون أيام أو حتى ساعات. بالنسبة للاستنتاج، تُستخدم هذه المعالجات لمعالجة ملايين الاستفسارات في الثانية، مما يدعم تطبيقات مثل محركات البحث وأنظمة التوصية والرعاية الصحية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
توفير حلول مخصصة في مجالات متخصصة
تتجاوز معالجات الذكاء الاصطناعي التطبيقات العامة لتقدم حلولًا مخصصة في مجالات متخصصة للغاية. على سبيل المثال، في مجال الرعاية الصحية، تُستخدم هذه المعالجات لتسريع تحليل الصور الطبية (مثل الأشعة السينية والرنين المغناطيسي) للكشف المبكر عن الأمراض. تعمل هذه الحلول من خلال تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على مجموعات بيانات طبية ضخمة، ثم استخدام المعالجات لتقديم استنتاجات دقيقة وفي وقت قياسي، مما يساعد الأطباء في اتخاذ قرارات أفضل.
في صناعة السيارات، تُعد معالجات الذكاء الاصطناعي ضرورية لتشغيل أنظمة القيادة الذاتية. تقوم هذه المعالجات بمعالجة البيانات الواردة من الكاميرات والرادارات وأجهزة الاستشعار الأخرى في الوقت الفعلي لاتخاذ قرارات القيادة. يتطلب هذا قدرة حسابية هائلة وسرعة استجابة فائقة، وهو ما توفره وحدات المعالجة العصبية المدمجة. تعمل هذه الحلول على تحسين السلامة والكفاءة في النقل، مما يمثل قفزة نوعية في تكنولوجيا السيارات الحديثة. التخصص في التصميم يؤدي إلى حلول فريدة وفعالة في العديد من القطاعات.