التنمية البشريةصحة وطبكيفية

كيفية دمج العلاج السلوكي المعرفي مع العلاج الجدلي

كيفية دمج العلاج السلوكي المعرفي مع العلاج الجدلي

دليل متكامل لتحقيق توازن علاجي فعال بين التغيير والقبول

يعد كل من العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج الجدلي السلوكي (DBT) من أقوى الأدوات في مجال الصحة النفسية. بينما يركز الأول على تغيير الأنماط الفكرية والسلوكية السلبية، يركز الثاني على القبول وتنظيم المشاعر. دمج هذين النهجين يقدم حلاً شاملاً ومتوازنًا يمكن أن يعزز بشكل كبير فعالية العلاج. هذا المقال يقدم لك خطوات عملية وطرقًا واضحة لدمج هذين العلاجين لتحقيق نتائج أفضل في رحلة التعافي النفسي.

فهم المبادئ الأساسية للعلاجين

العلاج السلوكي المعرفي (CBT): التركيز على تغيير الأفكار

كيفية دمج العلاج السلوكي المعرفي مع العلاج الجدلييقوم العلاج السلوكي المعرفي على فكرة أساسية مفادها أن أفكارنا ومشاعرنا وسلوكياتنا مترابطة. يهدف هذا النهج إلى تحديد الأفكار السلبية أو غير الدقيقة التي تسبب ضائقة عاطفية وسلوكيات هدامة. من خلال تقنيات مثل إعادة الهيكلة المعرفية، يتعلم الأفراد تحدي هذه الأفكار واستبدالها بأفكار أكثر واقعية وإيجابية. يعتبر هذا العلاج فعالاً جداً في معالجة القلق والاكتئاب والرهاب، حيث يوفر أدوات عملية لتغيير الأنماط التي تسبب المشكلة بشكل مباشر.

العلاج الجدلي السلوكي (DBT): التركيز على القبول والمهارات

نشأ العلاج الجدلي السلوكي كتطوير للعلاج السلوكي المعرفي، وهو مصمم خصيصًا لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من مشاعر شديدة وغير مستقرة. يقوم على مبدأ “الجدلية” أو “الديالكتيك”، الذي يسعى لتحقيق التوازن بين طرفي نقيض، وهما القبول والتغيير. يركز العلاج الجدلي السلوكي على تعليم أربع مجموعات من المهارات الأساسية وهي: اليقظة الذهنية، تحمل الشدة، تنظيم المشاعر، والفعالية في العلاقات بين الأشخاص. الهدف هو قبول الذات والمشاعر الحالية مع العمل في نفس الوقت على تغيير السلوكيات غير الفعالة.

خطوات عملية لدمج العلاج السلوكي المعرفي مع الجدلي

الخطوة الأولى: التقييم وتحديد الأهداف العلاجية

تبدأ عملية الدمج بتقييم شامل للمشكلات التي يواجهها الفرد. يجب تحديد ما إذا كانت الصعوبات ناتجة بشكل أساسي عن أنماط تفكير مشوهة (مجال قوة الـ CBT) أم عن صعوبة في تنظيم المشاعر وتحمل الضيق (مجال قوة الـ DBT). بناءً على هذا التقييم، يتم وضع أهداف علاجية واضحة. على سبيل المثال، قد يكون الهدف هو “تقليل نوبات القلق عبر تحدي الأفكار الكارثية (CBT)، مع تعلم كيفية تحمل مشاعر القلق عند ظهورها دون الاندفاع نحو سلوكيات التجنب (DBT)”.

الخطوة الثانية: إدخال مهارات اليقظة الذهنية كأساس

تعتبر اليقظة الذهنية، وهي مهارة أساسية في العلاج الجدلي السلوكي، نقطة انطلاق مثالية للدمج. تساعد اليقظة الذهنية الفرد على مراقبة أفكاره ومشاعره وأحاسيسه الجسدية في اللحظة الحالية دون إصدار أحكام. هذه الممارسة تخلق مساحة ضرورية بين الفكرة والاستجابة لها. من خلال بناء هذا الوعي، يصبح الفرد أكثر قدرة على تحديد الأفكار التلقائية السلبية التي يستهدفها العلاج السلوكي المعرفي، مما يجعل عملية تحديها أكثر سهولة وفعالية.

الخطوة الثالثة: تطبيق تقنيات CBT على المشكلات المحددة

بعد بناء أساس من اليقظة، يمكن تطبيق تقنيات العلاج السلوكي المعرفي بشكل فعال. يتم استخدام أدوات مثل سجل الأفكار لتحديد وتسجيل المواقف والأفكار التلقائية والمشاعر والسلوكيات المترتبة عليها. بعد ذلك، يتم استخدام إعادة الهيكلة المعرفية لتحدي صحة هذه الأفكار والبحث عن تفسيرات بديلة وأكثر توازنًا. هنا، تعمل اليقظة كداعم، حيث تسمح للشخص بملاحظة الفكرة دون الاندماج معها، مما يسهل فحصها بموضوعية.

الخطوة الرابعة: استخدام مهارات تحمل الشدة من DBT

عندما تكون المشاعر شديدة للغاية لدرجة تعيق التفكير العقلاني المطلوب في العلاج السلوكي المعرفي، تأتي مهارات تحمل الشدة من العلاج الجدلي السلوكي للإنقاذ. يمكن استخدام تقنيات مثل تشتيت الانتباه، أو تهدئة الذات باستخدام الحواس الخمس، أو تحسين اللحظة الحالية. هذه المهارات لا تحل المشكلة الأساسية، لكنها تساعد الفرد على تجاوز الأزمة العاطفية دون جعل الأمور أسوأ، مما يمنحه الوقت والمساحة للعودة لاحقًا وتطبيق تقنيات CBT عندما يكون أكثر هدوءًا.

الخطوة الخامسة: دمج مهارات التنظيم العاطفي والفعالية بين الشخصية

تساعد مهارات تنظيم المشاعر من العلاج الجدلي السلوكي على فهم طبيعة المشاعر وتقليل الهشاشة العاطفية وزيادة التجارب الإيجابية. يمكن دمج هذا مع العلاج السلوكي المعرفي من خلال تحديد الأفكار التي تزيد من حدة المشاعر. أما مهارات الفعالية في العلاقات الشخصية، فتساعد في التعبير عن الاحتياجات ووضع الحدود بفعالية، وهو ما يمكن أن يعززه العلاج السلوكي المعرفي من خلال معالجة أي أفكار سلبية حول الذات أو الآخرين تعيق هذه العلاقات.

طرق إضافية لتعزيز التكامل بين العلاجين

استخدام سجلات الأفكار المدمجة

يمكن تطوير سجل الأفكار التقليدي للعلاج السلوكي المعرفي ليشمل عناصر من العلاج الجدلي السلوكي. بالإضافة إلى تسجيل الموقف والفكرة والمشاعر، يمكن إضافة أقسام جديدة. على سبيل المثال، يمكن إضافة خانة لتقييم شدة المشاعر من 0 إلى 100، وخانة أخرى لوصف المهارات التي تم استخدامها لتحمل هذه المشاعر (من DBT)، ثم خانة أخيرة لإعادة تقييم الأفكار (من CBT). هذا النهج المدمج يربط بين القبول والتغيير في أداة واحدة عملية.

تطبيق مبدأ الجدلية “الديالكتيك” على المعتقدات الأساسية

غالبًا ما تكون المعتقدات الأساسية السلبية (مثل “أنا شخص فاشل”) متجذرة بعمق. بدلاً من محاولة دحض هذا المعتقد بشكل مباشر وقاطع، يمكن استخدام النهج الجدلي. يتضمن ذلك إيجاد الحقيقة في كلا الجانبين. على سبيل المثال، يمكن للشخص أن يقر بأنه ارتكب أخطاء في الماضي (قبول)، وفي نفس الوقت، يعترف بأنه يمتلك نقاط قوة ونجاحات أخرى (تغيير). هذا يخلق رؤية أكثر توازنًا وواقعية للذات مقارنة بالتفكير القائم على “كل شيء أو لا شيء”.

التركيز على التحقق من صحة المشاعر قبل تحديها

أحد أهم مساهمات العلاج الجدلي السلوكي هو التركيز على التحقق من صحة المشاعر. قبل القفز إلى تحدي الأفكار المرتبطة بشعور معين، من المهم أولاً الاعتراف بأن هذا الشعور منطقي ومفهوم في سياقه. عبارات مثل “من المفهوم أن تشعر بالقلق في هذا الموقف” يمكن أن تقلل من الشعور بالذنب أو الخجل المرتبط بالمشاعر. بعد التحقق من صحة الشعور، يصبح الشخص أكثر انفتاحًا واستعدادًا لفحص الأفكار المرتبطة به باستخدام تقنيات العلاج السلوكي المعرفي.

خاتمة: تحقيق التوازن من أجل صحة نفسية مستدامة

إن دمج العلاج السلوكي المعرفي مع العلاج الجدلي السلوكي ليس مجرد خلط لمجموعة من التقنيات، بل هو فلسفة علاجية متكاملة تجمع بين قوة التغيير وحكمة القبول. من خلال هذا النهج المدمج، يمكن للأفراد تعلم كيفية التعامل مع أفكارهم الصعبة ومشاعرهم الشديدة بطريقة أكثر مرونة وفعالية. يوفر هذا التكامل مسارًا علاجيًا شاملاً لا يعالج الأعراض فقط، بل يبني أيضًا أساسًا قويًا من المهارات الحياتية والمرونة النفسية اللازمة لتحقيق صحة نفسية مستدامة وطويلة الأمد.

Randa

كاتب ومحرر بموقع هاو منذ عام 2018.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock