محتوى المقال
كيفية علاج اضطراب ما بعد الولادة عند الآباء
دليلك الشامل لفهم ودعم الآباء في مرحلة ما بعد الولادة
لم تعد اضطرابات ما بعد الولادة مقتصرة على الأمهات فقط، فقد أظهرت الدراسات أن الآباء أيضًا يمكن أن يعانوا من حالة مشابهة تُعرف باكتئاب ما بعد الولادة الأبوي. تتطلب هذه الحالة فهمًا عميقًا وخطوات عملية للتعامل معها بفعالية لضمان صحة الأب النفسية واستقرار الأسرة. هذا المقال يقدم لك طرقًا وحلولًا دقيقة لعلاج هذه المشكلة من جوانبها كافة، مع توفير خطوات سهلة ومباشرة يمكن تطبيقها للحصول على نتائج إيجابية.
التعرف على الأعراض وفهم المشكلة
الأعراض العاطفية والنفسية
تظهر الأعراض العاطفية بشكل واضح على الأب المصاب باضطراب ما بعد الولادة. قد يشعر بحزن مستمر، أو قلق شديد، أو حتى غضب وتقلبات مزاجية حادة. يفقد الكثيرون الاهتمام بالأنشطة التي كانوا يستمتعون بها سابقًا، بما في ذلك الهوايات أو قضاء الوقت مع الأصدقاء. الشعور باليأس والعجز هو عرض شائع، حيث يشعر الأب بأنه غير قادر على تلبية متطلبات دوره الجديد. من المهم جدًا تمييز هذه المشاعر عن مجرد الإرهاق الطبيعي المصاحب لقدوم طفل جديد، فالاستمرارية والحدة هما الفارق الرئيسي.
الأعراض السلوكية والجسدية
إلى جانب التغيرات العاطفية، تظهر أعراض سلوكية وجسدية. قد ينسحب الأب اجتماعيًا ويتجنب التفاعل مع الشريكة أو الطفل، أو على العكس، قد يصبح سريع الانفعال والعدوانية. من الناحية الجسدية، يمكن أن يعاني من تغيرات في الشهية أو الوزن، واضطرابات في النوم مثل الأرق أو النوم المفرط. الشكاوى المتكررة من الصداع وآلام المعدة ومشاكل الهضم دون سبب طبي واضح قد تكون أيضًا من العلامات الجسدية للاضطراب. ملاحظة هذه التغيرات هي الخطوة الأولى نحو فهم حقيقة ما يمر به الأب.
خطوات عملية للعلاج وطلب الدعم
الخطوة الأولى: الاعتراف بالمشكلة وكسر حاجز الصمت
أول وأهم خطوة نحو العلاج هي اعتراف الأب بوجود مشكلة حقيقية. غالبًا ما يمنع الضغط المجتمعي وتوقعات دور “الرجل القوي” الآباء من الحديث عن مشاعرهم. يجب على الأب أن يدرك أن ما يمر به هو حالة طبية قابلة للعلاج وليست علامة ضعف. التحدث بصراحة مع شخص موثوق به، سواء كانت الشريكة، صديق مقرب، أو أحد أفراد العائلة، يمكن أن يخفف العبء بشكل كبير ويمثل بداية طريق التعافي. كسر حاجز الصمت هو مفتاح الحصول على الدعم اللازم.
الخطوة الثانية: التواصل الفعال مع الشريكة
التواصل المفتوح والصادق مع الشريكة له دور محوري في العلاج. يجب على الأب أن يعبر عن مشاعره ومخاوفه دون خوف من الحكم عليه. من المفيد تحديد وقت منتظم للحديث بهدوء بعيدًا عن متطلبات رعاية الطفل. يمكن استخدام عبارات مثل “أنا أشعر بالضغط” بدلًا من “أنتِ تضغطين عليّ” لتجنب إلقاء اللوم. هذا الحوار يساعد الشريكة على فهم الوضع وتقديم الدعم المناسب، ويعزز الشعور بالعمل كفريق واحد في مواجهة التحديات الجديدة التي تفرضها الأبوة.
الخطوة الثالثة: البحث عن مساعدة متخصصة
عندما لا تكون استراتيجيات الدعم الذاتي كافية، يصبح طلب المساعدة من متخصص في الصحة النفسية أمرًا ضروريًا. يمكن لطبيب نفسي أو معالج متخصص تقديم الدعم من خلال جلسات العلاج بالكلام، مثل العلاج السلوكي المعرفي، الذي يساعد في تغيير أنماط التفكير السلبية. في بعض الحالات، قد يقترح الطبيب تناول مضادات الاكتئاب التي أثبتت فعاليتها. البحث عن متخصص ليس علامة فشل، بل هو خطوة شجاعة ومسؤولة نحو استعادة الصحة النفسية والعافية للأسرة بأكملها.
استراتيجيات إضافية للدعم الذاتي
ممارسة التمارين الرياضية بانتظام
للنشاط البدني تأثير إيجابي مثبت على الصحة النفسية. لا يتطلب الأمر الانضمام إلى صالة ألعاب رياضية باهظة الثمن، فمجرد المشي السريع لمدة ثلاثين دقيقة يوميًا يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا. تعمل التمارين الرياضية على إطلاق الإندورفين، وهو ناقل عصبي يحسن المزاج ويقلل من مشاعر التوتر والقلق. يمكن للأب محاولة دمج النشاط البدني في روتينه اليومي، مثل المشي مع الطفل في عربته، مما يوفر فرصة للترابط مع الطفل وتحسين حالته النفسية في آن واحد.
الحصول على قسط كافٍ من النوم
يعد الحرمان من النوم أحد أكبر المسببات والمفاقمات لاكتئاب ما بعد الولادة. على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك مع وجود طفل رضيع، إلا أنه من الضروري جعل النوم أولوية. يمكن للوالدين التناوب على رعاية الطفل ليلًا للسماح لكل منهما بالحصول على فترات نوم متواصلة. حتى القيلولة القصيرة خلال النهار يمكن أن تكون مفيدة جدًا. تحسين جودة النوم وكميته يساهم بشكل مباشر في استقرار الحالة المزاجية وزيادة القدرة على التعامل مع الضغوط اليومية.
تخصيص وقت للذات وبناء شبكة دعم
من السهل أن يغرق الأب الجديد في مسؤولياته وينسى احتياجاته الشخصية. من الضروري تخصيص وقت، حتى لو كان قصيرًا، لممارسة هواية أو نشاط ممتع بعيدًا عن واجبات الأبوة. هذا الوقت يساعد على إعادة شحن الطاقة وتقليل الشعور بالضغط. بالإضافة إلى ذلك، يعد بناء شبكة دعم اجتماعي أمرًا حيويًا. التواصل مع آباء آخرين يمرون بنفس التجربة يمكن أن يوفر شعورًا بالتفاهم والتحقق من صحة المشاعر ويقلل من الإحساس بالعزلة.