التنمية البشريةصحة وطبكيفية

كيفية التعامل مع الآثار النفسية الناتجة عن جلسات العلاج المكثف

كيفية التعامل مع الآثار النفسية الناتجة عن جلسات العلاج المكثف

فهم وتجاوز تحديات ما بعد الجلسات العلاجية العميقة

تعتبر جلسات العلاج النفسي المكثف رحلة شجاعة نحو استكشاف الذات والتعافي، لكنها قد تكون مرهقة للغاية. فمن الطبيعي أن يشعر الفرد بمجموعة من المشاعر والآثار النفسية الصعبة بعد الخوض في موضوعات عميقة وحساسة. إن التعامل السليم مع هذه الآثار ليس فقط جزءًا من عملية الشفاء، بل هو ضرورة لدمج ما تم تعلمه في الجلسة بطريقة صحية ومستدامة. هذا المقال يقدم لك دليلاً عملياً بخطوات واضحة لمساعدتك على إدارة هذه الفترة الحساسة بوعي وتعاطف مع الذات، وتحويل التحديات إلى فرص للنمو.

التعرف على الآثار النفسية الشائعة بعد العلاج المكثف

الشعور بالإرهاق العاطفي والجسدي

كيفية التعامل مع الآثار النفسية الناتجة عن جلسات العلاج المكثف
بعد جلسة علاجية مكثفة، قد تشعر وكأنك خضت ماراثونًا عاطفيًا. هذا الإرهاق هو استجابة طبيعية تمامًا لتفريغ مشاعر قوية أو استعادة ذكريات مؤلمة. قد يظهر هذا الإرهاق على شكل تعب جسدي، رغبة شديدة في النوم، أو شعور بالثقل العاطفي يصعب وصفه. من المهم أن تدرك أن هذا ليس علامة ضعف، بل هو دليل على أنك تقوم بعمل نفسي عميق ومهم. امنح جسدك وعقلك الإذن بالراحة والتعافي دون الشعور بالذنب أو الضغط لمواصلة مهامك اليومية كالمعتاد.

الارتباك أو الضبابية الذهنية

من الشائع جدًا أن تشعر بالارتباك أو ما يشبه “الضباب الذهني” بعد جلسة علاجية. قد تجد صعوبة في التركيز أو اتخاذ القرارات أو حتى تذكر تفاصيل بسيطة. يحدث هذا لأن عقلك يعمل بجهد كبير لمعالجة المعلومات والمشاعر الجديدة التي ظهرت خلال الجلسة. بدلاً من محاربة هذا الشعور، تقبله كجزء مؤقت من العملية. تجنب المهام التي تتطلب تركيزًا عاليًا إذا كان ذلك ممكنًا، واسمح لعقلك بالوقت الكافي لترتيب وتنظيم الأفكار الجديدة التي اكتسبتها.

ظهور ذكريات أو مشاعر مكبوتة

قد تفتح الجلسات العلاجية المكثفة الباب أمام ذكريات أو مشاعر كنت قد نسيتها أو كبتها لفترة طويلة. قد تظهر هذه المشاعر على السطح في الساعات أو الأيام التي تلي الجلسة، مما قد يسبب لك القلق أو الحزن. هذا جزء أساسي من العلاج، حيث يتم إتاحة الفرصة لهذه الجوانب المكبوتة من ذاتك للظهور كي يتم التعامل معها وشفائها. حاول ألا تنزعج من ظهورها، بل اعتبرها خطوة إيجابية نحو التكامل النفسي والشفاء الكامل.

خطوات عملية للتعامل الفوري بعد الجلسة

امنح نفسك وقتاً للانتقال

من أكبر الأخطاء التي يمكن ارتكابها هي العودة مباشرة إلى روتين الحياة المزدحم فور انتهاء الجلسة. يحتاج عقلك ونظامك العصبي إلى فترة انتقالية للهدوء. بعد مغادرة عيادة المعالج، خصص من 15 إلى 30 دقيقة لنفسك. يمكنك الجلوس في سيارتك والاستماع إلى موسيقى هادئة، أو الذهاب في نزهة قصيرة في مكان طبيعي قريب. هذا الوقت الفاصل يساعدك على معالجة ما حدث في الجلسة بهدوء ويمنعك من حمل كثافة المشاعر إلى بقية يومك.

التدوين وتفريغ الأفكار

الكتابة هي أداة قوية لتفريغ ما يدور في ذهنك بعد الجلسة. أحضر دفترًا وقلمًا، أو استخدم تطبيق ملاحظات على هاتفك، واكتب كل ما يخطر ببالك دون حكم أو رقابة. اكتب عن مشاعرك، الأفكار التي ظهرت، الرؤى التي اكتسبتها، أو حتى الارتباك الذي تشعر به. لا تهدف إلى كتابة نص منمق، بل إلى إخراج الأفكار من رأسك إلى الورق. هذه العملية تساعد على تنظيم الأفكار، تقليل الشعور بالضغط، وقد تكشف لك عن روابط وأنماط لم تكن واضحة من قبل.

ممارسة تقنيات التهدئة والتأريض

عندما تكون المشاعر في ذروتها، يمكن لتقنيات التأريض أن تعيدك إلى اللحظة الحاضرة وتهدئ جهازك العصبي. جرب تمرين التنفس العميق: خذ شهيقًا بطيئًا من الأنف لمدة أربع ثوانٍ، احبس نفسك لثانيتين، ثم أخرج الزفير ببطء من الفم لمدة ست ثوانٍ. يمكنك أيضًا ممارسة تمرين الحواس الخمس: قم بتسمية خمسة أشياء يمكنك رؤيتها، أربعة أشياء يمكنك لمسها، ثلاثة أشياء يمكنك سماعها، شيئين يمكنك شمهما، وشيء واحد يمكنك تذوقه. هذه التمارين البسيطة فعالة للغاية في تخفيف القلق.

استراتيجيات طويلة الأمد لدمج تجربة العلاج

إنشاء روتين رعاية ذاتية داعم

التعافي من الآثار النفسية للعلاج لا يحدث فقط في الساعة التي تلي الجلسة، بل هو عملية مستمرة. قم بدمج أنشطة الرعاية الذاتية في روتينك اليومي والأسبوعي. قد يشمل ذلك ممارسة الرياضة بانتظام، أو تناول وجبات مغذية، أو الحصول على قسط كافٍ من النوم، أو تخصيص وقت لممارسة هواية تحبها. عندما تجعل الرعاية الذاتية جزءًا لا يتجزأ من حياتك، فإنك تبني قدرة أكبر على الصمود والمرونة النفسية، مما يجعلك أكثر استعدادًا للتعامل مع التحديات التي تظهر في رحلتك العلاجية.

التواصل مع شبكة الدعم الخاصة بك

لا يتوجب عليك خوض هذه الرحلة بمفردك. حدد شخصًا أو شخصين في حياتك تثق بهما تمامًا، مثل صديق مقرب أو شريك حياة، وأخبرهم أنك تمر بعملية علاجية قد تكون مرهقة أحيانًا. ليس عليك مشاركة تفاصيل جلساتك، ولكن يمكنك أن تقول شيئًا مثل: “أنا أخضع لعلاج نفسي عميق، وقد أشعر بالإرهاق بعد الجلسات. دعمك وتفهمك يعنيان لي الكثير”. وجود شخص يمكنك الاتصال به عندما تشعر بالضعف يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في شعورك بالأمان والدعم.

التحلي بالصبر والتعاطف مع الذات

الشفاء النفسي ليس سباقًا ولا يتبع خطًا مستقيمًا. ستكون هناك أيام تشعر فيها بالتقدم والقوة، وأيام أخرى تشعر فيها بالتعب والضعف. من الضروري أن تكون لطيفًا مع نفسك خلال هذه العملية. تحدث إلى نفسك كما لو كنت تتحدث إلى صديق عزيز يمر بوقت عصيب. اعترف بجهودك وشجاعتك للخوض في هذا العمل الصعب. تذكر أن كل شعور، مهما كان غير مريح، هو جزء من رحلة النمو والوصول إلى نسخة أكثر صحة وسعادة من نفسك.

عناصر إضافية وحلول بسيطة لتعزيز التعافي

الانخراط في أنشطة إبداعية

عندما تعجز الكلمات عن التعبير، يمكن للفن أن يكون متنفسًا رائعًا. لا تحتاج إلى أن تكون فنانًا محترفًا للاستفادة من التعبير الإبداعي. جرب الرسم أو التلوين أو العزف على آلة موسيقية أو حتى تشكيل الطين. هذه الأنشطة تسمح لك بالتعبير عن المشاعر المعقدة بطريقة غير لفظية، مما يساعد على تحريرها وتخفيف التوتر. يمكن أن يكون التركيز على عمل إبداعي شكلاً من أشكال التأمل النشط الذي يهدئ العقل ويمنحك شعورًا بالإنجاز والراحة.

قضاء وقت في الطبيعة

للطبيعة تأثير علاجي مثبت على الصحة النفسية. إذا كنت تشعر بالإرهاق أو الارتباك بعد جلسة العلاج، فحاول قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق. يمكن لنزهة بسيطة في حديقة، أو الجلوس تحت شجرة، أو مجرد النظر إلى السماء أن تساعد في تهدئة جهازك العصبي وتمنحك منظورًا جديدًا. إن الاتصال بالعالم الطبيعي يذكرنا بأننا جزء من شيء أكبر، ويمكن أن يساعد في تقليل حدة المشاعر الصعبة وجعلها تبدو أكثر قابلية للإدارة.

Dr. Merna

كاتب ومحرر بموقع هاو منذ عام 2017.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock