صحة وطبكيفية

كيفية علاج اضطرابات الأكل باستخدام العلاج الأسري

كيفية علاج اضطرابات الأكل باستخدام العلاج الأسري

دليل شامل للأسرة لدعم رحلة التعافي خطوة بخطوة

تُعد اضطرابات الأكل من الحالات النفسية المعقدة والخطيرة التي تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، خاصة المراهقين. وسط خيارات العلاج المتعددة، يبرز العلاج القائم على الأسرة (FBT)، المعروف أيضًا بنموذج مودسلي، كأحد أكثر الأساليب فعالية. هذا النهج لا يرى الأسرة كمصدر للمشكلة، بل كأهم مصدر للدعم والحل. هذا المقال يقدم لك خطوات عملية ومفصلة لتطبيق مبادئ العلاج الأسري ومساعدة فرد من عائلتك على التعافي والعودة إلى حياة صحية ومتوازنة.

فهم اضطرابات الأكل والعلاج الأسري

ما هي اضطرابات الأكل؟

كيفية علاج اضطرابات الأكل باستخدام العلاج الأسرياضطرابات الأكل هي حالات صحية عقلية تتميز بسلوكيات أكل غير طبيعية ومستمرة تؤثر سلبًا على الصحة الجسدية والنفسية. من أبرز أنواعها فقدان الشهية العصبي، حيث يقيّد الشخص كمية الطعام بشكل حاد خوفًا من زيادة الوزن. وهناك الشره المرضي العصبي، الذي يتضمن نوبات من الإفراط في تناول الطعام تليها سلوكيات تعويضية مثل التقيؤ. هذه الاضطرابات ليست مجرد خيارات نمط حياة، بل هي أمراض خطيرة تتطلب تدخلًا علاجيًا متخصصًا وفوريًا لدعم المريض ومنع حدوث مضاعفات صحية جسيمة.

ما هو العلاج القائم على الأسرة (FBT)؟

العلاج القائم على الأسرة هو نهج علاجي مكثف يُجرى في العيادات الخارجية، حيث يتم تمكين الوالدين ليصبحوا جزءًا أساسيًا من فريق العلاج. المبدأ الجوهري لهذا العلاج هو فصل المرض عن المريض، والنظر إلى اضطراب الأكل ككيان خارجي سيطرة على الابن أو الابنة. بدلاً من إلقاء اللوم، يركز هذا النموذج على تزويد الأسرة بالأدوات اللازمة لاستعادة الوزن الصحي للمريض وإعادة أنماط الأكل الطبيعية. يتم ذلك من خلال تحمل الوالدين المسؤولية الكاملة عن التغذية في المراحل الأولى من العلاج.

خطوات عملية لتطبيق العلاج الأسري في المنزل

المرحلة الأولى: استعادة الوزن والتحكم في الأكل

في هذه المرحلة الحاسمة، تتولى الأسرة، وخصوصًا الوالدين، المسؤولية الكاملة عن جميع وجبات المريض. الهدف الرئيسي هو مكافحة تأثيرات سوء التغذية واستعادة الوزن الصحي. يجب على الوالدين التخطيط للوجبات الرئيسية والوجبات الخفيفة، وطهيها، وتقديمها، والإشراف على تناولها بالكامل. لا مجال للتفاوض حول كميات الطعام أو أنواعه في هذه المرحلة. يتمثل دور الأسرة في توفير بيئة داعمة وحازمة في نفس الوقت، مؤكدين أن تناول الطعام هو دواء ضروري للتعافي من هذا المرض الخطير.

تعتبر الوجبات العائلية هي الساحة الرئيسية للعلاج. يجب أن تكون هذه الوجبات خالية من أي مصادر إلهاء مثل الهواتف أو التلفزيون. التركيز يجب أن يكون على دعم المريض لإكمال وجبته. قد يكون الأمر صعبًا ومحفوفًا بالتوتر، ولكن يجب على الوالدين البقاء هادئين ومثابرين. استخدام التشجيع اللطيف والتأكيدات الإيجابية يمكن أن يساعد في تخفيف القلق. الهدف هو تطبيع عملية الأكل كجزء من روتين يومي آمن ومدعوم من قبل جميع أفراد الأسرة.

المرحلة الثانية: إعادة التحكم التدريجي للمراهق

بمجرد استقرار الوزن وبدء تحسن الحالة الجسدية والنفسية للمريض، يبدأ الانتقال إلى المرحلة الثانية. في هذه المرحلة، يتم إعادة التحكم في قرارات الأكل تدريجيًا إلى المراهق. لا تحدث هذه الخطوة فجأة، بل تتم بعناية وتحت إشراف الوالدين. قد تبدأ بمنح المريض خيارًا بسيطًا، مثل اختيار نوع الخضار مع وجبة العشاء، أو السماح له بتحضير وجبة خفيفة لنفسه من بين خيارات محددة مسبقًا من قبل الأهل. الهدف هو بناء الثقة وتعزيز استقلاليته.

يتحول دور الوالدين في هذه المرحلة من التحكم المباشر إلى الإشراف والمراقبة. يستمرون في ضمان حصول المريض على السعرات الحرارية الكافية، ولكن مع منحه مساحة أكبر لاتخاذ قراراته الخاصة. إذا حدثت أي انتكاسة أو عودة للسلوكيات المقلقة، يجب على الوالدين أن يكونوا مستعدين للتدخل واستعادة المزيد من السيطرة مؤقتًا. التواصل المفتوح حول التحديات والنجاحات هو مفتاح النجاح في هذه المرحلة الانتقالية، حيث يتعلم المريض كيفية إدارة تغذيته بمسؤولية مرة أخرى.

المرحلة الثالثة: العودة إلى التطور الطبيعي

عندما يتمكن المراهق من الحفاظ على وزن صحي وتناول الطعام بشكل مستقل دون الحاجة إلى إشراف مستمر، تبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة من العلاج. ينتقل التركيز الآن من الطعام والوزن إلى معالجة القضايا التنموية والنفسية الأوسع التي توقف اضطراب الأكل تطورها. يشمل ذلك بناء هوية شخصية صحية، وتعزيز الاستقلالية، وتطوير علاقات اجتماعية سليمة مع الأقران، والتعامل مع ضغوط الحياة اليومية بطرق بناءة.

في هذه المرحلة، تعمل الأسرة مع المعالج لمساعدة المراهق على تأسيس علاقة صحية ومستدامة مع الطعام وجسده. يتم مناقشة مفاهيم مثل صورة الجسد، والأكل البديهي، وكيفية التعامل مع الضغوط الاجتماعية المتعلقة بالمظهر. الهدف النهائي هو ضمان عدم عودة اضطراب الأكل وأن المراهق مجهز بالكامل بالأدوات اللازمة لمواصلة حياته كشخص بالغ يتمتع بصحة جيدة نفسيًا وجسديًا، مع وجود علاقة أسرية قوية وداعمة.

عناصر إضافية لنجاح العلاج

أهمية التواصل الفعال داخل الأسرة

التواصل المفتوح والصادق هو العمود الفقري لنجاح العلاج الأسري. يجب على أفراد الأسرة تعلم كيفية التعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم بطريقة بناءة دون إلقاء اللوم. استخدام عبارات “أنا” بدلاً من “أنت” يمكن أن يقلل من الدفاعية، على سبيل المثال، قول “أنا أشعر بالقلق عندما لا تأكل” بدلاً من “أنت تقلقني”. الاستماع الفعال، حيث يتم التركيز الكامل على فهم وجهة نظر الشخص الآخر، يساعد على بناء الثقة والتعاطف بين أفراد الأسرة، مما يخلق بيئة آمنة للتعافي.

التعامل مع مشاعر الذنب واللوم

من الشائع جدًا أن يشعر الوالدان بالذنب أو يلومان أنفسهما على إصابة طفلهم باضطراب الأكل. من الضروري فهم أن اضطرابات الأكل هي أمراض معقدة تنتج عن تفاعل عوامل وراثية وبيولوجية ونفسية. العلاج الأسري لا يركز على البحث عن سبب المشكلة في الماضي، بل يركز على تمكين الأسرة لتكون الحل في الحاضر والمستقبل. التخلي عن اللوم والتركيز على العمل كفريق موحد ضد المرض هو خطوة حيوية نحو شفاء المريض وشفاء الأسرة بأكملها.

متى يجب طلب المساعدة المتخصصة؟

هذا الدليل يقدم خطوات عملية، ولكنه لا يغني أبدًا عن المساعدة المهنية. يجب تطبيق العلاج القائم على الأسرة تحت إشراف معالج نفسي متخصص ومدرب على هذا النموذج. المعالج هو من يقيم الحالة ويحدد متى يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ويوفر الدعم للأسرة للتعامل مع التحديات الشديدة. إذا كنت تشك في أن أحد أفراد أسرتك يعاني من اضطراب في الأكل، فإن الخطوة الأولى والأهم هي حجز موعد مع طبيب أو أخصائي نفسي لتقييم الوضع ووضع خطة علاج مناسبة.

Randa

كاتب ومحرر بموقع هاو منذ عام 2018.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock